يعاني أهل اليمن، الكبار منهم والصغار على حد سواء، من العواقب الكارثية الناجمة عن النزاع الذي اجتاح البلاد منذ عامين، وأكثر ما يظهر أثر هذه العواقب على منظومة الرعاية الصحية.
تصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية يشهدها بلد في العالم؛ فقرابة 19 مليون من تعداد سكانها البالغ 24,4 نسمة بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
يعاني نحو نصف مليون طفل من سوء تغذية شديد، وأصبحت المجاعة خطرًا حقيقيًا في جميع أرجاء البلاد. وعشرات الآلاف بين قتيل ومصاب. وأطفال حُرموا من الاستمتاع بكل مظاهر الطفولة، كـ"محمد قاسم" البالغ من العمر 12 عامًا، الذي يُخضع للعلاج بسبب إصابات بالغة بالرأس.
يقول "محمّد": "كنت ألعب عندما ضربت غارة جوية منزلنا. أُصبت أنا وأخي، وانهار المنزل فوقي. نُقلت إلى المستشفى، كنت فاقدًا للوعي آنذاك، ولم أكن أعلم أين كنت".
تدعم اللجنة الدولية للصليب الأحمر المستشفى، غير أنه ما زال يواجه نقصًا كبيرًا في الأدوية والموظفين والأجهزة. ويقدم المستشفى الأدوية المتوفرة لديه مجانًا لمن هم بحاجة إليها، لكن الأدوية المنقذة للحياة تكون غالبًا متاحة في الأسواق الخاصة فقط، ومقابل المال. وقد يُحرم بعض المرضى – مثل "مختار إسماعيل" ذو العشرين عامًا الذي انكسر ظهره من جرّاء غارة جوية – من العلاج الضروري.
يقول "مختار": "لا أملك شيئًا، ولا أستطيع تحمل تكلفة علاجي. قبل الإصابة، كنت أعمل وأسير وأفعل كل شيء. الآن ليس بمقدوري الحركة أو حتى الوقوف. بل إنني أتنفس بصعوبة".
أضيرت الكثير من المستشفيات أو دُمّرت في خضم النزاع، أما تلك التي لا تزال تعمل فهي مكتظة بالمرضى. في حين توضح "أروى أحمد"، وهي صيدلانية، أن نقص الموارد لا يقتصر أثره على جرحى الحروب وحسب.
تقول "أروى": "بسبب الحرب الدائرة في اليمن، شحّت أدوية أمراض مزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري، لا سيما هنا في المستشفيات العامة".
وتتابع قائلة: "هذا بالإضافة إلى تكرار انقطاع الكهرباء، الذي يُتلف بعض الأدوية التي تحتاج إلى الاحتفاظ بها مُبرّدة، فنضطر إلى التخلص منها".
إن الضغط على المستشفيات التي لا تزال تعمل في اليمن، وصعوبة الوصول إليها بسبب النزاع، ونقص الأدوية يجعل حصول مرضى يعانون أمراضًا مزمنة – مثل المزارع "علي قايد" – على العلاج الضروري الذي يحتاجونه ضربًا من المستحيل. قطع "علي" مسافة تزيد على 300 كيلومتر قاصدًا مستشفى الثورة في تعز، لأنه بحاجة إلى جلسات غسيل كلوي.
يقول: "لدي أبناء، لكن لا أحد يقدم لنا الدعم. أعاني من الفشل الكلوي منذ ست سنوات".
"لم أعد قادرًا على العمل منذ أن ألمّ بي بالمرض. فمريض الفشل الكلوي لا يستطيع أن يعمل".
فرّ العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية في اليمن من أماكن النزاع، في الوقت الذي يكافح فيه الباقون، من أمثال الجرّاح الدكتور "نبيل قاسم الحاج" الذي يعمل في المستشفى الجمهوري، لمواجهة تدفق جرحى الحرب. وغالبًا ما تُحال الإصابات الحرجة، بما في ذلك الجروح وإصابات الرأس البالغة إلى هذا المستشفى.
يقول الدكتور "نبيل": "أحيانًا تتعطل معدات الجراحة التي نستخدمها في غرف العمليات، فالاستخدام المفرط يؤدي إلى إهلاكها. غير أن قطع الغيار اللازمة لهذه المعدات غير متوفرة لدينا".
"لا تتوفر قطع الغيار في الأسواق المحلية، وهذا يجعلنا عاجزين عن إصلاح المعدات". ويتابع قائلًا: "ولا يمكننا أيضًا استيراد القطع بسبب الحصار المفروض على الموانئ".
لقد أصبحت الخدمات الصحية في اليمن عالقة داخل دائرة مغلقة من النزاع، ونقص الأدوية والمعدات، والفقر، والاحتياجات الهائلة للمرضى. لكن بالرغم من هذا كله، يُبدي الكثير من الكوادر الطبية تفانيًا في البقاء والمثابرة، لا يرجون مكافأة سوى مساعدة مرضاهم. ومن أمثال هؤلاء الممرضة "ابتسام علي".
تقول "ابتسام": "من التحديات التي نعيشها أننا لا نتقاضى أجورنا. ولكننا نحاول مواجهة مثل تلك التحديات وقهرها. نحن نؤدي عملنا في سبيل العمل الإنساني ولتخفيف معاناة المرضى".
لكن بالنسبة لمرضى مثل "مختار إسماعيل" ذو العشرين ربيعًا، لا سبيل فعلي لإنهاء معاناته سوى انتهاء النزاع. لقد خلّف العنف الذي تشهده اليمن لديه ندوبًا نفسية فضلًا عن إصابته البدنية.
يقول "مختار": "ليس هناك أمان في اليمن اليوم. لا يمكنك التنقل، ولا يمكنك حتى مغادرة منزلك".
"إذا غادرت منزلك قد تقتلك غارة جوية. وإذا ذهبت إلى متجر لشراء شيء قد تلقى حتفك في انفجار قنبلة. قد لا تراك عائلتك مرة أخرى، أو قد يعثرون على جثتك، أو يجمعون ما تبقى منك في أكياس".
ويتابع "مختار" قائلًا: "أدعو الله أن تنتهي الحرب في اليمن، وأن يُشفى جميع المصابين بمن فيهم أنا".
وعلى الرغم من هذا كله، ينسج "محمد قاسم" ذو الاثني عشر عامًا أحلامه للمستقبل.
يقول "محمد": "أتمنى أن أتماثل للشفاء قريبًا، وأن يمنّ الله على جميع المصابين بالشفاء العاجل".
ويتابع: "أتمنى أن ينعم اليمن بالسلام حتى أستطيع ارتياد المدرسة مجددًا".
أحلام "محمد" متواضعة؛ فالصحة والتعليم حقوق مكفولة لكل طفل. لكن يبدو أن إحلال السلام في اليمن أمامه طريق طويل. وبمناسبة اجتماع المجتمع الدولي في مؤتمر المانحين الذي يُعقد خلال الأسبوع الحالي، فإن أقل ما يمكن أن يقدمه العالم لمرضى من أمثال "محمد" و"مختار" هو دعم الرعاية الصحية التي هم في أمس الحاجة إليها.
المكان: مدينتي الحديدة وصنعاء، اليمن
مدة الفيلم: 6:43
النّسق: HD H264 mov
التصوير: هاني علي وعبد الجبار
الإنتاج: عدنان حزام وإسكندر المعمري
الرقم المرجعي لدى اللجنة الدولية: AV631N_Yemen_Health
التاريخ: 10-11 نيسان/أبريل 2017
حقوق النسخ: كافة الحقوق للجنة الدولية
لتحميل هذه اللقطات التليفزيونية، يُرجى زيارة موقع الأخبار بالفيديو الخاص باللجنة الدولية على العنوان التالي:
ولمزيد من المعلومات، يمكنكم الاتصال:
بالسيدة سمية بلطيفة (بالإنجليزية أو العربية)، بعثة اللجنة الدولية في صنعاء، الهاتف: 1967 607 73 00967
أو السيدة "Iolanda Jaquemet"، مقر اللجنة الدولية في جنيف، الهاتف: 26 37 447 79 0041
للاطلاع على ما تفعله اللجنة الدولية لوضع حد للاعتداءات على المرضى والعاملين في مجال الرعاية الصحية زيارة الموقع التالي:
www.healthcareindanger.org، أو زيارة موقعنا على شبكة الإنترنت: www.icrc.org/ar
ويمكن متابعة اللجنة الدولية عبر فيسبوك facebook.com/icrc وتويتر twitter.com/icrc